التفاوت أم المساواة لتحقيق العدالة الاجتماعية
إن مبدأ العدالة الاجتماعية ضروري لتجسيدها وتطبيقها بين البشر ليتمكن كل فرد من حقوقه دون أن يهضم حق الأخر, وهذا لا يتم إلا عن طريق حملة من الخصائص الإنسانية لتحقيق العدالة وليتمكن المجتمع من هذه الميزة الإنسانية الراقية ظهر خلاف بين العديد من الفلاسفة والمفكرين حول مبدأ لعدالة فهناك من أرجعها إلى التفاوت لاعتبارها طبيعة بشرية, إذ ردها الطرف الأخر واعتبر المساواة الركيزة الأساسية لتحقيق العدالة فمن خلال هذا الصدد, أي الفريقين أقرب للصواب أو بعبارة أخرى كيف تتجسد العدالة على أرض الواقع, هل من خلال مبدأ التفاوت ام المساواة؟
يرى كل من أرسطو وأفلاطون وسقراط و نيتشه أن العدالة الاجتماعية تقوم على مبدأ التفاوت لأنها طبيعة فطرية بشرية, يعتمدون في نظريتهم على الفروقات الفردية, لاعتقادهم أن الناس منذ ولادتهم ولدوا متفاوتين, أكد على هذا المبدأ الفيلسوف اليوناني أفلاطون فهو حسب رأيه أن المجتمع الإنساني طبقي لابد أن ينقسم إلى طبقات متفاوتة … سادة ووزراء, عبيد وجنود قال سقراط العدالة الاجتماعية هي إعطاء كل ذي حق حقه فالتفاوت قانون الطبيعة (الفروقات الفردية ) هذا ولد ابن سيد ومن أشراف القبيلة وذاك ولد ابن عبد لأن أبوه كان خادما عند سيده فلا يقبل عقلا أن نساوي بين العبد والشريف, كما عبر ودعم هذا الرأي الفيلسوف نيتشه حيث قال” التفاوت قانون الطبيعة يجب أن تمارس على أرض الواقع” يمكن ان نضيف إلى هذا الرأي الفيلسوف ألكسس كاريل الذي اعتمد في نظرية التفاوت بين البشر على الطبيعة, اذ مثل لذلك بالتفاوت الموجود بين الحيوانات لان هذه الأخيرة متفاوتة من كائن إلى أخر فمثال ذلك لا يمكن لنا أن نساوي بين الأسد والنعامة فالأسد ملك الغابة بلا منازع, لأن هذا أمر طبيعي فكيف لا نجسده في الطبيعة الإنسانية, إذ نرى في واقعنا و مجتمعاتنا الحضارية طبقة متفاوتة بين العمال على سبيل المثال لا يمكن أن نساوي بين الطبيب وحارس البوابة ولتتجسد العدالة يجب أن نفرق بين المهن الراقية والمهن المتدنية, إذا ذهبنا إلى المخبزة فلا يعقل أن يقف الطبيب في الطابور وينتظر مثله مثل باقي الأشخاص الأقل منه مستوى, فهذا يعتبر اللاعدالة الاجتماعية وبالتالي قد يستنفر الطبيب من هذه العدالة مما يؤدي إلى تدمره, لأن الطبيب يرى قدراته وعمله الراقي في المجتمع يجب أن نعطيه حقه ولا نساويه بمن هو أقل منه فعالية في المجتمع لأن هذا يهدم العدالة .
لا يمكن أن ننكر الفوارق الاجتماعية والمادية بين البشر وأن هذا أمر حتمي لكن هذا الموقف قد أوغل في اعتبار التفاوت أساس العدالة, لأنه سبيل إلى نشر الأنانية والتجبر والتسلط على الضعفاء كما أن مبدأ ألكسس كاريل مبدأ لا إنساني فهو يمثل قانون الغاب القوي يأكل الضعيف وما نراه في حياتنا اليومية من تسلط الطبقة الحاكمة على الشعب يجعل الشعوب تعاني الظلم والاضطهاد, كما أن تقسيم أفلاطون للمجتمع المدني بين سادة ووزراء وعبيد وجنود فيه تسلط وتجبر وبالتالي معاناة الشعوب من الظلم والاضطهاد وغياب الديمقراطية .
يرى أنصار المساواة من بينهم كانط و شيشرون أن تجسيد مبدأ المساواة بين جميع الناس مهما اختلفت أجناسهم وأعراقهم وصفاتهم (المساواة المطلقة) أن تعامل الإنسان كإنسان (الإنسان أخو الإنسان) بما أنهم مشتركون في الطبيعة الإنسانية فهم متساوون جميعا في الحقوق والواجبات, قال شيشرون” لنا جميع عقول وإن اختلفنا في العلم فنحن مساوون في القدرة على التعلم” بمعنى حتى وإن اختلف الناس في المستوى الثقافي فإنهم مشتركون في وجود العقل … مثال الطبيب إذا علم بأمور الطب ومجال مهنته فإنه يجهل أمور أخرى تتعلق بعلم الطيران, فبالتالي هذا اختلاف في المجال العلمي فقط لكنهم متساوون في التعلم, كما نرى أنصار المذهب الاشتراكي يدعمون هذا الموقف من بينهم الفيلسوف لينين الذي قال” أن مذهب الاشتراكية لا طبقي له مبدأ وحيد الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج, لا يوجد عامل ورب العمل الكل سواسية في الأداء المهني كما أنهم جميعا متساوون في الأجور, لأن مذهب الاشتراكية لا ينظر للإنسان كآلة إنتاج.
ويؤكد لنا كانط على أن أساس تجسيد العدالة هي المساواة بين الناس حيث قال” الواجب من أجل الواجب يجب أن تعامل الإنسان بالنظر إلى إنسانيته ولا تعتبر وسيلة لتحقيق غاية”
على الرغم من المساواة التي نادى بها هؤلاء وما تحمله من قيم إنسانية غير ان هذا المبدأ يزرع روح الاتكالية بين الناس ويقضي على روح المبادرة كما أنه يقلل المبادرات الفردية ويقضي على دوافع الإبداع وبالتالي تغيب العدالة الاجتماعية.
إن تجسيد مبدأ العدالة يترنح بين التفاوت والمساواة, فهناك قوانين طبيعية ثابتة لدى الإنسان ولد به كالحق في الحياة والحرية والعيش الكريم فالجميع متساوون في هذه الميزة ولا يمكن أن ننزعها من الإنسان وفي المقابل أيضا يجب تطبيق العدالة حسب قدرات كل شخص ويمنح لكل شخص حقه حسب مؤهلاته وامتيازاته بحيث كلما زاد الفرد تفوقا عن غيره كلما زادت درجة التفاوت وعليه يمكن للعدالة أن تتحقق في المجتمع من خلال تطبيق هاذين المفهومين في المجتمع, والرأي الشخصي أن العدالة الاجتماعية لا تكمن إلا بتطبيق التفاوت والمساواة معا ولا يمكن الاستغناء عن أي مبدأ.
العدالة تتأسس على المساواة أمام القانون بحيث يأخذ كل فرد حقه كإنسان مهما كانت منزلته ويلزم بأداء واجبه, كما يعاقب إذا ارتكب جريمة في المجتمع ولا يمكن أن نلغي العقوبات أمام القانون لذوي السلطة والجاه وتفرض على الضعفاء, مثال ذلك من اعتدى على روح أخيه الإنسان تطبق عليه العدالة دون النظر إلى مكانته في المجتمع, كما تتأسس على أساس التفاوت في الاستحقاق والجدارة مثال على ذلك إعطاء مكانة ورتبة هامة للعلماء في المجتمع وإعطاء العمال كذلك رتبتهم التي يستحقونها, فلا ننزل العلماء إلى رتبة العمال البسطاء ولا نرفع العمال البسطاء إلى رتبة العلماء والعباقرة.