الوقيعة بين الناس
كتبت/ مروة عيد
كم تقطَّعِت علاقات بين ناس كانت علاقتهم جيدة ببعضهم البعض، بسبب نقل الكلام، سواء كان بعمداً أو بدون قصد. فمن أقبح الصفات على وجه الإطلاق هي الوقيعة بين الناس، لأنه يُشعِل في القلوب الكراهية، وإفساد العلاقات بين الأصدقاء، والإخوَة.
وقال “يحي بن أبي كثير” : يُفسد النمام والكذاب في ساعة ما لا يفسد الساحر في سنة.
فإن شر الناس صاحب الوجهين، الذي يظهر بوجه، ولشخص آخر بوجه مختلف عن الذي قبلُه، وينقل بلسانه كلام لكل واحد منهم عن الآخر في غيابُه.
ويوجد نوع أسوء من البشر يقول صفات سئية عن الشخص غير موجودة فيه من الأساس، وهنا يجمع الشخص بين أسوء آفات اللسان، وهما النميمة، والبهتان. ونعرِف بيوت تهدَّمت وتفرَّقِت فيها الأحبّة بسبب نقل الكلام، وتتَبُّع العورات.
ويوجد حديث عن رسول الله ﷺ يقول: «إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تُكَفِّر اللسان، تقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا» رواه الترمذي. وفي بعضٍ الناس تنسى قيمة اللسان، وتتناسى أخطاءه، فيترُك لنفسه العنان للوقيعة بين الناس، الكلام البذيئ، وهذا نابع من أمرض قلبيّة.
هذه النوعية من الناس لا يروق لها بال، ولا يطمِّن لهاحال إلا إذا فرَّق بين الناس؛ فتنقلِب الصداقة وتصبح عداوة، و التفاهم والود يتحول إلى حقد وبُغض، والتقارب والتعارف يتحوِّل لتباعد ونكران، وكل هذا بسبب بكلام وأكاذيب قالها، فأرضي بها شهوة لسانُه، وقلبُه المعطوب.
والوقيعة بين الناس تعني باللغة العربية (بالوشاية) ووّشِيَ الثوب معناه حلّاه وحسَّنه،، وما أكتر الوشاة الذين بيحاولون أن يزيّنوا كلامهم للوقيعة، ويجعلون من اللسان أداة يطوَّعوها لأغراضُهم الدنيئة الخادعة التي توغِر الصدور، وتُباعد بين الناس. ونسى الواشي أنه سيحاسب على كل ما يقوله بلسانه {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} سورة ق.
ومن هنا دعانا الإسلام إلى تهذيب اللسان، وما يتبعه من جوارح، فقال تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} سورة الإسراء كما حثنا الرسول ﷺ على حفظ ألسنتنا فقال: (مَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) متفق عليه.
وجعل من يمسك لسانه عن إيذاء المسلمين من أفضل المسلمين، فعن أبي موسى رضي الله عنه قال قلت: يا رسول الله أيُّ المسلمين أفضل؟ قال: (من سلم المسلمون من لسانه ويده) متفق عليه. فعلى المسلم أن يتذكر الأسوة الحسنة في رسول الله ﷺ فيما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يُبلِّغني أحد من أصحابي عن أحدٍ شيئاً، فإني أُحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر) رواه أبـو داود والتـرمذي.
ما أحوجنا نحن المسلمين إلى محاربة هذا السلوك القبيح حتى يعم السلام، والمحبة بين أفراد المجتمع.
ودخل رجل على عمر بن عبد العزيز، فذكر له عن رجل شيئًا، فقال له عمر: إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت كاذبًا فأنت من أهل هذه الآية {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا}.وإن كنت صادقًا فأنت من أهل هذه الآية {همازٍ مشّآءٍ بنميم }. وإن شئت عفونا عنك. فقال: العفو يا أمير المؤمنين، لا أعود إليه أبداً.
وفي نهاية الحديث عن الوقيعة بين الناس، أوجّه نصيحة لكل قارئ، وهى: اتقوا الساعي بين الناس، فلو كان صادقًا في قوله لكان لئيمًا في صدقه، حيث لم يحفظ الحُرمة ولم يستر العورة.